يتسلم جائزة الهجرة من ماليزيا.. القرضاوي: الغد لأمتنا ولديننا
موقع القرضاوي/20-12-2099
بوتراجايا – المختار الأحمر
كرمت ماليزيا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بمنحه جائزة الهجرة النبوية للعام 1431هـ، تقديرا لجهوده الكبيرة في خدمة الإسلام وقضايا المسلمين، والسلطان عبد الحليم معظم شاه سلطان سلطنة "قدح" يسلمها لفضيلته نيابة عن الملك.
وفي كلمته خلال الحفل صباح الجمعة 1 محرم 1431هـ / 18-12-2009م، عبر العلامة القرضاوي عن شكره واعتزازه بماليزيا ونهضتها، وتقدم بالتهنئة إلى الأمة الإسلامية بحلول العام الهجري الجديد، سائلا الله تعالى أن يُعيننا فيه على تحرير المسجد الأقصى الحبيب، كما تحدث عن خصائص ومزايا الرسالة المحمدية، والمبشّرات بانتصار الإسلام، مؤكدا أن الغد لأمتنا ولديننا إن شاء الله.
وجاء هذا التكريم للشيخ القرضاوي " تقديرا لعلمه وعطائه وجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، ونشر الثقافة الإسلامية، ونصرة الدعوة الإسلامية، وترشيد الصحوة الإسلامية، وتجلية الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية، وتنبي قضايا الأمة الإسلامية".
وجائزة الهجرة النبوية جائزة كبرى تمنح لكبار الشخصيات التي قدمت خدمات جليلة للأمة الإسلامية، والتي تعمل على رفعة الإسلام على المستوى المحلي داخل دولة ماليزيا، أو على المستوى العالمي.
وأقيمت مراسم حفل تقديم جائزة الهجرة لهذه السنة - التي منحت أيضا للدكتور محمد يوسف نور وزير الشؤون الدينية الماليزي الأسبق - في مركز الحفلات الدولي في "بوتراجايا "العاصمة الجديدة، بحضور الآلاف من الماليزيين من مختلف الأعمار والفئات، يتقدمهم إضافة إلى نائب الملك (الذي غاب لظروف صحية) كل من: السيناتور جميل بهروم، الوزير بإدارة الشؤون الإسلامية، والسيد محمد عبد العزيز رئيس مصلحة الشؤون الإسلامية ، والسيد عبد الله بدوي رئيس الوزراء السابق، وعدد من أعضاء الحكومة والبرلمان، ورجال الفكر والعلم والتعليم.
وفي كلمته بالمناسبة دعا السلطان عبد الحليم معظم شاه المسلمين إلى الوحدة، مؤكدا أن الإسلام "هو دين الوحدة".
وقال شاه: "أي خلافات في الآراء يمكن أن تصل بالأمة لنهاية خاسرة أو تتسبب في الفرقة بينهم، يجب حلها بالحكمة والأسلوب المناسب".
وأضاف أنه "(حتى) في وقت الرسول كان هناك اختلافات في الآراء ووجهات النظر بين المقربين منه، لكنهم مارسوا روح الأخذ والعطاء من أجل الحفاظ على وحدة الأمة".
وتضمن الحفل بالإضافة إلى كلمات نائب الملك وبعض المسؤولين فقرات فنية إنشادية ومسرحية عن الهجرة النبوية المشرفة.
وفي كلمته هنأ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الأمة الإسلامية بحلول العام الهجري الجديد، سائلا الله تعالى أن يُهِلّه علينا وعلى أمّتنا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يُعيننا فيه على تحرير المسجد الأقصى، حتى نصلي فيه جميعاً تحت راية المسلمين.
كما شكر فضيلته مملكة ماليزيا على ما تقوم به من سُنَّة حسنة من إقامة هذه الجائزة التي منحتها إياه، والتي يعتز بها لأمرين:
الأول: لارتباطها بمناسبة عزيزة علينا، وهي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي كانت بداية لإقامة المجتمع المسلم المثالي، مجتمع العلم والإيمان، وإقامة الدولة المسلمة، دولة العدل والإحسان، التي وصفها الله تعالى بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41].
والثاني: أنها من ماليزيا التي أحبها ويعتزُّ بها وبنهضتها وروحها الإسلامية، كما يعتز المسلمون عامّة بها.
وعبّر فضيلته عن إعجابه بماليزيا لكونها بلد يتميّز بأنه يعيش حالة من التنوع الديني والحضاري والعرقي، جعله مصدر قوة وإثراء، لا مصدر إرباك وتعويق.
وأشار إلى أنَّ صلته بماليزيا ليست بنت اليوم، ولا وليدة الأمس، إنها صلة قديمة بدأت منذ ما يقرب من نصف قرن، كما أنّ له صلة مودّة بعدد من رجالها وعلمائها ومؤسساتها، وقد زارها عدة مرات، وحاضر في جامعاتها، وجوامعها وجمعياتها، والتقى بأساتذتها وطلابها، وزار أكثر ولاياتها، وفي إحدى المرّات وُضِع تحت تصرُّفه طائرة عسكرية لتسهيل تنقُّله بسرعة بين الولايات، ولقي المسؤولين أكثر من مرة في حزب أمْنو، كما لقي أعضاء الحزب الإسلامي، وحصل على جائزة من الجامعة الإسلامية العالمية في (العطاء العلمي المتميز).
من نعم الله على أمتنا
وأشار فضيلته إلى أننا نحن المسلمين من حقِّنا أن نعتزّ ونباهي بأنَّ الله تعالى أكرمنا بهذا الدين الذي هو أعظم نعمة أنعم بها علينا، وأن من تمام هذه النعمة أنه أرسل إلينا بهذا الدين خير رسله وهو محمد عليه السلام، وأنزل إلينا به خير كتبه وهو القرآن، وجعلنا بذلك الأمّة الوسط، لكي نكون شهداء على الناس.
كما اعتبر أن الملوك يتركون وراءهم قصوراً يشيّدونها، أو حصوناً يبنونها، أو أموالاً يورّثونها، أما محمداً صلى الله عليه وسلم فقد ترك بعده، أو أورث البشرية كلها أشياء عظيمة ونفيسة جداً، لم يورث أحد مثلها، تتمثل في ثلاثة أشياء:
القرآن الكريم، وبيانه من السنة والسيرة.
الرسالة العالمية الخالدة المستمدّة من القرآن والسنّة.
الأمة القائمة على هذه الرسالة، التي ابتدأت بالصحابة.
القرآن كتاب الخلود
واعتبر العلامة القرضاوي في كلمته أن أول وأعظم ما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو كتاب الخلود (القرآن الكريم).
ذلك أنَّ الله جل جلاله، أيَّد محمداً صلى الله عليه وسلم بما لم يُؤيَّد به رسولاً من رسله، فقد أُيِّد الرسل من قبله بآيات كونية، ومعجزات حسية، كما أُيِّد صالحا بالناقة، وأُيِّد موسى بالعصا تنقلب حية تسعى، وبيده السمراء، يخرجها من جيبه فتظهر بيضاء من غير سوء، وأُيِّد عيسى المسيح عليه السلام، بإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، وإحياء الموتى بإذن الله.
وهذه المعجزات آيات عظيمة بلا ريب، ولكنها آيات حسية، لا يؤمن بها إلا من شاهدها، وهي لا تُشاهد إلا وقت وقوعها، فمن جاء بعد ذلك يستطيع أن ينكرها، لأنه لم يرها ولم يشاهدها بعينه.
ولكن مزية الآية أو المعجزة التي أيَّد الله بها خاتم رسله: أنها آية أدبية ومعجزة عقليه، لا تنقضي بمرور زمنها، بل هي باقية ما بقي الزمان.
مزايا الرسالة المحمدية
وأشار فضيلته إلى أن رسالته صلى الله عليه وسلم – التي أورثها للبشرية أيضا، والمستمدّة من القرآن والسنة – تميّزت بجملة مزايا:
رسالة عالمية:
المزية الأولى التي تتميز بها رسالته صلى الله عليه وسلم: أنها رسالة عالمية، حيث كان كل نبيّ قبل محمد، يبعث إلى قومه، بعث نوح إلى قومه، وهود إلى قومه عاد، وصالح إلى قوم ثمود، وإبراهيم إلى قومه، ولوط إلى قومه، وشعيب إلى مدين وأصحاب الأيكة، وهكذا كل نبيٍّ أُرسل إلى قومه ليهديهم إلى الله، وينهاهم عن عبادة الأصنام، ولكن محمداً بُعِثَ إلى الناس كافّة، وأَعلن هذا وهو في مكة، كما نقرأ ذلك في السور المكية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف:158] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سـبأ:28] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف:104].
ولأنَّ هذه الرسالة عالمية، فقد وضع الله فيها من المبادئ الكلية، والقواعد التشريعية، والأصول الجامعة، والمقاصد العامة، ما يصلح للبشر في كل زمان ومكان.
رسالة خالدة:
والمزية الثانية: أنها رسالة خالدة، ختم الله بها كل رسالات النبيين، فلا نبيَّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولا كتاب بعد القرآن، ولا شريعة بعد الإسلام.
وقد كان كل نبيٍّ قبل محمد، يبشِّر بنبيّ يأتي من بعده، إلاَّ محمداً فهو الوحيد الذي أعلن بكل صراحة أنه خاتم النبيين {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] وأعلن أن رسالته تمثل آخر لبِنَة في بنيان النبوَّة، فلا نبيّ بعده.
رسالة الرحمة:
والمزية الثالثة: أنها رسالة الرحمة العامة، كما قال تعالى له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] بهذا الأسلوب الحاصر {مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً} وهي ليست رحمة للعرب وحدهم، ولا لأهل الشرق دون أهل الغرب، ولكنها (للعالمين). ويقول الرسول عن نفسه: "إنما أنا رحمة مهداة" (رواه الحاكم عن أبي هريرة) وهو معروف بين المسلمين بأنه (نبي الرحمة) والأمة بأنها (أمة الرحمة).
كما تتجلّى هذه الرحمة في وُضوح العقيدة وسلامتها من الإلغاز والتعقيد، بحيث تتقبّلها الفطرة السليمة، ويؤمن بها العقل الرشيد، ولا تحتاج إلى أن يُقال لمُعتنقها: اعتقد وأنت أعمى! بل هي (نور على نور) نور الوحي على نور العقل. وتقوم على البرهان والدليل، كما قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].
وتتجلّى هذه الرحمة أيضا في سماحة الشريعة، فهي تقوم على التّيسير لا على التّعسير، وعلى رفع الحرج، والتكليف بحسب الوسع، وتنويع الرُّخص والمُخفِّفات، وإباحة المحظورات عند الضرورات، كما قال تعالى بعد رُخَصِ الطهارة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6] وبعد رخص الصوم: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185].
ومِنْ أعظم مظاهر الرحمة: الدعوة إلى السلام العام بين الناس، فلم يُشَرِّع الإسلام القتال إلا للدفاع عن النفس أمام العدوان، سواء كان عدواناً على الدين أم على الأرض والسيادة، أم على الأموال والممتلكات. فإذا وقع العدوان وجب الجهاد والتضحية بالأنفس والأموال، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190] ومِنَ الناس من قالوا: هذه الآية منسوخة، وردّ الراسخون في العلم بأن الاعتداء ظلم، والظلم لا يُنسخ، ولا يُباح في أي دين من الأديان.
خصائص أمته عليه الصلاة والسلام
ومن الأمور التي أورثها محمد البشرية: (الأمّة) التي تقوم على هذه الرسالة، إيماناً بها، وتطبيقاً لأحكامها، ودعوة إليها.
وقد بدأت هذه الأمة بأفضل أجيالها، بل أفضل جيل في التاريخ، جيل الصحابة رضوان الله عليهم. هذا الجيل الرباني القرآني الذي تربّوا في مدرسته صلى الله عليه وسلم، وتخرّجوا على يديه, وهم الذين وصفهم الله بقوله تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157], وقال لرسوله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62-63], وهم الذين وصفهم القرآن بالإيمان الحق: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].
ومن خصائص هذه الأمة كما وصفها القرآن أنها
أمة ربانية:
من خصائص هذه الأمة أنها أمة جعلها الله، أي: هو صانعها, فهي أمة ربانية, كما قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143], فهي أمة مجعولة, كما قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110], فهي أمة لم تخرج من نفسها, ولكنها أُخرجتْ, أُخرجت للناس: لهداية الناس, لتنوير الناس, لإسعاد الناس, لنفع الناس. والذي أخرجها هو الله تعالى.
أمة وسط:
والخاصية الثانية لهذه الأمة: أنها أمة (وسط) فهي أمة متوازنة, لم تغلو غلو اليهودية في الجانب المادي, ولا غلو النصارى في الجانب الروحي, لم تسرف في التحريم إسراف اليهود, ولم تقتر فيه تقتير النصارى, لم تضيّق على الفرد كتضييق الاشتراكيين, ولم تسحقه, كما فعل الرأسماليون.
أمة الخيرية:
ومن خصائص هذه الأمة أيضا، أنها أمّة تتميّز بالخيرية على الأمم كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110], ولكنها ليست خيرية جنس, كخيرية الشعب الإسرائيلي الذي زعم أنه شعب الله المختار، بل هي خيرية أوصاف يستحقها كل من عمل بها, من أي عرق كان أو لون كان لذا قال: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
أمة واحدة:
وهي أمة واحدة كما قال الله: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92], {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52], كأنما تشير الآيتان إلى أنه لا تتم العبادة، ولا تكتمل التقوى إلا باتحاد الأمة، فهي تقوم على توحيد الكلمة، كما تقوم على كلمة التوحيد، أي على توحيد المعبود سبحانه، وعلى توحيد العابدين.
هي أمة واحدة في عقيدتها, وفي عبادتها، وفي قبلتها، وفي شريعتها، وفي قيمها، وفي مناهجها، وفي آدابها وتقاليدها، وفي مصيرها المشترك, قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وقال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].
وقد جسّد الإسلام هذه الوحدة بأحكام أساسية ثلاثة:
1 - وحدة المرجعية.
2 - وحدة الدار.
3 - وحدة القيادة.
مبشّرات بانتصار الإسلام
حرص العلامة القرضاوي في نهاية كلمته أن يبث روح الأمل في الحاضرين، حيث أعتبر أن هذه الأمة لديها من المبشّرات بانتصار الإسلام ما يملأنا ثقة بأن الغد لأمتنا ولديننا، ورأى أن هذه المبشرات عديدة، منها:
1 – مبشرات من القرآن، حيث يقول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33].
2 – ومبشرات من الحديث النبوي، وحسبنا حديث تميم الداري الذي رواه أحمد: "ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليل والنهار، ولا يَتركُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاّ أدخله الله هذا الدينَ بعِزِّ عزيز أو بِذُلِّ ذليل، عِزّاً يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلاًّ يُذِلُّ الله به الكفر" (رواه أحمد عن تميم الداري).
3 – ومبشرات من التاريخ، فقد أثبت أن الإسلام أشدّ ما يكون قوة، وأصلب ما يكون عُوداً، عندما تُحيط به الشدائد والأزمات، كما عرفنا في حروب الردّة، وحروب الصليبيين والتتار، التي انتصر الإسلام فيها جميعاً. وفي حروب الاستعمار حديثاً التي قاوم فيها الإسلام الاستعمار وحرّر بلاده من نيره، رغم ضعف المسلمين وفقرهم.
4 – ومبشرات من الواقع، وهو ما نشهده من آثار الصحوة الإسلامية المعاصرة، التي ردّت جماهير غفيرة من المسلمين إلى دينهم، ردّت الشباب إلى الاستقامة، والفتيات إلى الحجاب.
5 - ومن المبشرات بانتصار الإسلام: أن الغرب الذي سادت حضارته وقاد العالم عدة قرون، لم يقم بحق القيادة، وأفلس روحياً وأخلاقياً، وتعامل في القضايا الكبيرة بمعايير مزدوجة { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً} [التوبة:37] وأشاع النزعة الإلحادية في العالم، التي لا تؤمن بإله للكون، ولا بروح في الإنسان، ولا بآخرة مع الدنيا.
واعتبر العلامة القرضاوي أن الأمة المهيأة لوراثة الحضارة الآفلة، هي أمة الإسلام، إذا عرفت ذاتها، وحملت رسالتها، واصطلحت على ربها، وأصلحت ذات بينها، وغيّرت ما بنفسها، حتى يغيّر الله ما بها، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. أمّا أن تتمنّى وراثة الحضارة وقيادة البشرية، وهي على حالها البائس، فهيهات هيهات
No comments:
Post a Comment