09 January 2010


استنكر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي بناء جدار فولاذي بين مصر وغزة وتعجب من القول بتهديد أهل غزة الجائعين لأمن مصر القومي، مذكرا بأواصر الاخوة والجيرة بين أهل مصر وغزة، ومناشدا المسؤولين المصريين أن يعودوا إلى رشدهم قائلا: أسأل الله أن يهدي إخواننا في مصر والمسؤولين فيها الى رشدهم وأن يعودوا إلى الموقف الصحيح الذي يجب أن يقفه العربي من العربي والمسلم من المسلم. وتابع التذكير بالعدوان الإسرائيلي على غزة، مستنكرا بقاء الحال على ما هو عليه من دمار، ومجددا التأكيد على وجوب الوقوف مع الجهاد الغزاوي.

وبمناسبة مرور عام على مذبحة العدوان الوحشي الصهيوني على غزة أشاد فضيلته في خطبة الجمعة 1-1-2010 من مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة، بصبر أهلنا في غزة بقوله: غزة الصابرة المصابرة المرابطة التي أوذيت وامتحنت في سبيل الله فما وهنت وما ضعفت وما استكانت وكما قال الله عز وجل في قوم كانوا قبلنا (وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وماكان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين)

وتابع: لقد تجبرت إسرائيل وهي دائما باغية طاغية غاشمة ولابد أن تلقى يوما جزاء غشمها فان الله يمهل ولا يهمل والنبي يقول: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم تلا قول الله تعالى (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) إنه يملي لهم ويمهلهم أعواما وعقودا وعقودا ثم لابد أن تأتيهم نقمة الله من حيث لا يحتسبون.. وقرر فضيلته في حسم: إنا موقنون أن هذا اليوم آت لاريب فيه، ربما لا يدركه أمثالنا، ربما يدركه من يجلس أمامي في هذا المسجد، وهم إن شاء الله مدركوه، كنت أود أن أصلي في المسجد الأقصى في حياتي متحررا من السلطة الاسرائيلية فاذا لم يتح لي فعسى أن يتاح لأبنائي وأحفادي وتلاميذي وهو لابد قادم لأن الله لايمكن أن يترك هذا الظلم، ان للباطل ساعة ولكن دولة الحق الى قيام الساعة، نحن نعتقد ان اسرائيل التي طغت في البلاد فاكثرت فيها الفساد لابد ان يصب عليهم ربك سوط عذاب ان ربك لبالمرصاد..

لابد لهذه الأمة أن تستيقظ يوما من ثباتها وان تحيا من مواتها وان تقف صفا واحدا.. لابد أن يأتي هذا اليوم لابد أن يأتي عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين.. لابد لهذه الامة أن تستيقظ يوما وأن تتجمع يوما وأن تأخذ بحقها يوما، هذا مالا نشك فيه وما لا ينبغي أن يشك فيه مؤمن لأنك إذا شككت في ذلك شككت في ربوبية الله لان الله تعالى يقول (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) لابد أن يأخذهم يوما، أخذ عزيز مقتدر وكم رأينا من دول وأمم زالت بسبب الطغيان والفساد (وماربك بغافل عما يعملون)

لقد ثبت للعالم كله ان اسرائيل استعملت ما لا يجوز ان يستعمل في هذه الحرب وخالفت القوانين الدولية والاخلاقية هذا ما اثبته القاضي جولدستون واثبته العالم كله لكن المهم ان اخواننا حتى اليوم ما زالوا يعيشون على انقاض بيوتهم والمؤتمرات والقمم التي عقدت وقررت لهم المليارات لم يصلهم منها شيء، لم يبن بيت خرب، ولم يعد مسجد هدم، ولامدرسة ولا مزرعة بدواع واهية لا معنى لها.. وتعجب قائلا: لماذا لا تذهب الأموال الى غزة؟ يعلقونها على اشياء غريبة..

ثم زاد الطين بلّة وزاد الداء علة بإقامة هذا الشيء الذي يسمونه "الجدار الفولاذي" بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية: لماذا هذا؟ قالوا: الامن القومي المصري مسكين، الامن القومي المصري اهل غزة المستضعفون الجائعون المحرومون يهددون الامن المصري اسمعوا يا قوم واسرائيل لا تهدد الامن المصري.. هل هذا كلام؟ هل خلت رؤوس القوم من عقول تعي هذا الكلام؟ متى كان اهل غزة يهددون مصر؟ هذا لاعطاء الفرصة لاسرائيل لتتحكم اكثر واكثر في الفلسطينيين..

معبر رفح الذي يتنفس منه الفلسطينيون يجب ان يفتح وبصفة دائمة هذا واجب شرعا وعرفا وخلقا وقانونا وكل مبادئ الدنيا تحتم هذا ولكن لاعتبارات عجيبة وغريبة يغلق هذا حتى امام المرضى والمحتاجين الذين يريدون ان يذهبوا الى مصر وحتى امام القوافل التي تأتي من أوروبا ومن غيرها من غير العرب ومن غير المسلمين رقّت قلوبهم وخضعوا للانسانية وجاءوا يغيثون هؤلاء المنكوبين حتى هؤلاء لا ييسر لهم الدخول توضع ألف عقبة وعقبة امامهم.. واضطر الاخوة في غزة ان يحفروا انفاقا يستطيعون منها ان يدخلوا بعض الاشياء: تغاضوا يا أهل مصر عن هذا، لا لا يمكن أن نتغاضى! لابد أن نحرمهم من أي شيء لابد أن نسد عليهم كل الأبواب حتى تتقطع أنفاسهم وحتى يخنقوا خنقا وحتى يتحقق لاسرائيل ماتريد!

الله يغضب لعباده المستضعفين

وقال فضيلته عن الجدار الجديد: كنا نعيب اسرائيل على جدارها العازل فاصبحنا ننافسها بل ونزيد عليها بالجدار الفولاذي والله ما كان احوج المصريين الى هذه الملايين، عشرات الملايين التي تنفق في هذا السد! ماكان احوج المتبطلين الذين لا يجدون عملا وما كان احوج الجائعين نوفر الملايين ونوفر سمعتنا، المصريون كان عليهم ان يوفروا سمعتهم عند الناس، مصر القائدة، مصر الزعيمة، مصر التي تتوسط بين الناس وبين الفلسطينيين بعضهم وبعض كيف تتوسط بينهم الان وهي تقتل جزءا منهم قتلا عمدا اهذا يجوز؟! الشاعر العربي يقول وظلم ذوي القربى أشد مضاضة .. على المرء من وقع الحسام المهند.. كل ظلم مزموم وقبيح وأفظع أنواع الظلم ما كان من ذوي القربى.. يخنقك لماذا؟ لحساب عدوك وعدوه ليته يستفيد من هذا. إن المستفيد من هذا كله هو العدو الغاصب الظالم هو اسرائيل التي تحاصر القوم لتقتلهم وتركعهم

ولكن القوم جزاهم الله خيرا أبوا أن يركعوا أو يستسلموا ماذا نقول يا قومنا.. الله يقول (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض) ويقول (انما المؤمنون اخوة) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره الى جنبه جائع" المفروض ان تجود بطعام لجارك حتى لا يبيت جائعا فيتبرأ رسول الله منك ولكن ليس هذا فقط!! انت تمنعه من ان يصل اليه طعام ولو بالنفق ومهما وصل بالنفق لن يصل عشر معشار المطلوب ماذا نقول لاخواننا؟ اقول::

يا أهل مصر.. يا بني مصر.. يا أهل العروبة والاسلام.. اتقوا الله في انفسكم واتقوا الله في اخوانكم.. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.. اخشوا من غضب الله تعالى عليكم فان الله تعالى يغضب لعباده المستضعفين.. ان الله يغضب لمن ظلم ويشتد غضبه لمن لا ناصر له ولا ناصر لاهل غزة إلا الله — أسأل الله ان يهدي اخواننا في مصر والمسؤولين فيها الى رشدهم وأن يعودوا الى الموقف الصحيح الذي يجب ان يقفه العربي من العربي والمسلم من المسلم والجار من الجار.

نتعبد بالتسامح

وقال: أود أن أعلق على الجريدة الألمانية التي اتهمتني بأنني متعصب ضد النصارى لانني قلت في الخطبة انني انكرت على المحلات المبالغة في الاحتفال باعياد الميلاد في قطر، في حين لم تهتم بعيد الاضحى.. اتهمتني بانني احرض ضد النصارى وانني أمنع دق النواقيص وأنا لم اذكر هذا.. إنني أتعبد إلى الله بالتسامح لان التسامح جزء من الدين ومنذ سنين أصدرت فتوى بشرعية تهنئة النصارى باعياد الميلاد كأن يكون جارا أو زميلا أو قريبا مخالفا في ذلك لشيخ الاسلام ابن تيمية لانني اعتمدت في هذا على قول الله (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) فهذا من البر الذي جاء به الاسلام لهؤلاء ولم ينه الاسلام ان نعاملهم معاملة حسنة أبدا قال الله تعالى " وإذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها
"