"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا"، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.أما بعد،
فقد قال الله تعالى "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" "الأنفال آية 46" فتذهب ريحكم هنا كناية عن اضمحلال وذهاب قوة الأمة، تلك القوة التي يمكن أن تصدر عن الإيمان الموحد بكتاب واحد، وبسنة واحدة لأمة واحدة، فتكون كالمغناطيس الواحد الذي له قوة واحدة.أما إذا جمعنا آلاف المغناطيسات مع بعضها جمعا عشوائيا فإنها سوف تلغي قوى بعضها وتصبح مجموع قوى المغناطيسات تلك تساوي الصفر المطلق؛ وهذا معلوم في علم الفيزياء ومبادئها الأولية التي هي من سنن الله في خلقه، لذلك يقول تعالى مبيّنا ذلك "بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" "الحشر آية 14" وكذلك الثبات مطلوب من المؤمن إذا واجه الأعداء من الذين يعادون الأمة وأفكارها "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا" "الأنفال آية 45".والمؤمن الذي لا يكون مع الله جسدا وروحا بعزيمة يستمدها من قوة إيمانه بالله في مواجهة الأعداء لن يؤيده الله بنصره قل الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" "محمد آية 7"، والمؤمن الواعي هو الذي يراقب عيوبه ويحاول إصلاحها واحدة واحدة ويتوب عنها ويستغفر ربه ليزيد إيمانه وتزيد قوته بالله يوما بعد يوم، قال الله تعالى "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" "آل عمران آية 147".والجاهل الذي يظن أن هذا الدعاء لمجرد ترديده كافٍ يكون بعيدا عن فهم الإسلام والإيمان الصحيحين، فكل دعاء لم يسبقه عمل جاد لإزالة العيب من قبل الأفراد والجماعات يكون مجرد تمنٍّ؛ والأماني لا تتحقق بل يحقق الله الرجاء وهو الدعاء الذي يأتي بعد العمل أو معه، وبدون تلازم العمل الحقيقي القادر على إزالة العيب لا يبدّل الله شيئا ولا يغيّر شيئا، والرسول عليه الصلاة والسلام يؤكد هذا في حديث صحيح "ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإنّ قوما غرّتهم الأماني وقعدوا عن العمل وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل" رواه الديلمي.هل فهم المسلمون قول الله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" "آل عمران آيتان 103-105".أيها المؤمنون إن الله تعالى لم يخف عنّا من الحقائق شيئا، بل قال لنا كل شيء بصراحة تامة، وقال لنا إن المقياس الوحيد الذي يميز الله به بين بني الإنس كلهم هو مقياس التقوى، والتقوى هي الإيمان بالله والعمل بما أمر به مع خشية الله، وبدون ربط العمل بالإيمان والخشية لا يتغير شيء في هذا الوجود؛ فنسينا أو أنسينا البند الأهم من هذين الشرطين وأتانا من يعلمنا أن الإيمان هو العمل، حتى نترك العمل الحقيقي، فحصل وما يزال يحصل معنا أمور لا تسر إلا الأعداء وخلال فترة زمنية طويلة جدا؛ ومع استمرارها حتى الآن لعدم تمكننا من هجر ما تعودنا على سماعه من الأباطيل وعدم قدرتنا على لمس القرآن بجرأة ورغبة، لمعرفة رسالة الله لنا.تصوروا أبا يرسل رسالة إنذار لأبنائه لينقذهم من شر قادم دخل في علمه ولا يعلمه أبناؤه بعد فلا يفتح الأبناء الرسالة ليعلموا ماذا يريد الأب منهم؟ ولا يريدون أن يعلموا عن ذلك الإنذار شيئا، هل يمكن أن تتصوروا ظلما للذات أكبر من هذا؟ قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" "الحجرات آية 12" وقال عز وجل "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" "الممتحنة آية 1".وقال جل وعلا "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" "النور آية 21" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" "النساء آية 59" "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم" "الأنفال آية 29" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" "الصف آيتان 2-3" وقال جل شأنه "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" "التوبة آية 119".لا تكونوا "من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون" "الروم آية 32" "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" "البقرة آية 153".تلك هي الخصال التي ارتضاها الله لعباده المؤمنين من خلال دعوته إليهم باجتناب الظن والغيبة والتودد للعدو واتباع خطوات الشيطان، وأن القرآن هو الموحد بينكم، والتقوى أساس الإيمان والصدق والصبر هما أساس الفلاح.يا أمة الإسلام كتابكم المقدس يأمركم "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" "الحجرات آية 10" "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" "المؤمنون آيتان 107-108" "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين" "يونس آية 60".
اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، اللهم اصرف عنا الشر، اللهم من عادى إخواننا الفلسطينيين فعاده، ومن كاد لهم فكده، ومن نصب لهم فخا فخذه، وأطفئ عنهم نار من أراد بهم عداوة وشرا وفرّج عنهم كل كربة وهم وضيق، ولا تحملهم ما لا يقوون أو لا يطيقون، إنك أنت الحق العلي؛ وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.